سورة الروم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال، أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون وما بين الجنسين المختلفين من التنافر. يقال: سكن إليه إذا مال إليه {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج. وعن الحسن: المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد. وقيل: المودة للشابة والرحمة للعجوز. وقيل: المودة والرحمة من الله والفرك من الشيطان أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعلمون أن قوام الدنيا بوجود التناسل {وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله {وألوانكم} كالسواد والبياض وغيرهما، ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشاكلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون. {إِنَّ فِى ذلك لآيات للعالمين} {للعالمين} جمع (عالَم)، وبكسر اللام: حفص عالِم ويشهد للكسر قوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} العنكبوت: 43) {وَمِنْ ءاياته مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغاؤكم مّن فَضْلِهِ} هذا من باب اللف، وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الآخرين، أو المراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما، والجمهور على الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي يسمعون سماع تدبر بآذان واعية.


{وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق} في {يريكم} وجهان: إضمار أن كما في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وإنزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) أي أن تسمع أو سماعك {خَوْفًا} من الصاعقة أو من الإخلاف {وَطَمَعًا} في الغيث أو خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر، وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي إرادة خوف وإرادة طمع، أو على الحال أي خائفين وطامعين {وَيُنَزّلُ مِنَ السماء} وبالتخفيف: مكي وبصري {ماءً} مطراً {فيحي به الأَرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} يتفكرون بعقولهم {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ} تثبت بلا عمد {السماء والأرض بِأَمْرِهِ} أي بإقامته وتدبيره وحكمته {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} للبعث {دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} من قبوركم هذا كقوله {يريكم} في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال: ومن آياته قيام السماوات والأرض واستمساكها بغير عمد، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا، والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف. وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض ب {ثم} بياناً لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68] و(إذا) الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط {ومن الأرض} متعلق بالفعل لا بالمصدر. وقولك (دعوته من مكان كذا) يجوز أن يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك.


{وَلَهُ مَن فِى السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية.
{وَهُوَ الذى يَبْدَأُ الخلق} أي ينشئهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ} للبعث {وَهُوَ} أي البعث {أَهْوَنُ} أيسر {عَلَيْهِ} عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة، وأخرت الصلة في قوله {وهو أهون عليه} وقدمت في قوله: {وَهُوَ عَليَّ هَيّنٌ} [مريم: 9] لقصد الاختصاص هناك، وأما هنا فلا معنى للاختصاص. وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الأهون بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيراً كما قالوا: الله أكبر أي كبير، والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء، أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغ إلى تكميل خلقهم {وَلَهُ المثل الأعلى فِى السماوات والأرض} أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله {وَهُوَ العزيز} أي القاهر لكل مقدور {الحكيم} الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المثل الأعلى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11].
وعن مجاهد: هو قول لا إله إلا الله. ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ} فهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن جعل له شريكاً من خلقه. و{من} للابتداء كأنه قال: أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم {هَلْ لَّكُمْ} معاشر الأحرار {مّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} عبيدكم و{من} للتبعيض {مّن شُرَكَاء} {من} مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه: هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم {فِى مَا رزقناكم} من الأموال وغيرها {فَأَنتُمْ} معاشر الأحرار والعبيد {فِيهِ} في ذلك الرزق {سَوَآء} من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مماليككم في أموالكم كحكمكم {تَخَافُونَهُمْ} حال من ضمير الفاعل في سواء أي متساوون خائفاً بعضكم بعضاً مشاركته في المال، والمعنى: تخافون معاشرة السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكماً دون إذنهم خوفاً من لائمة تلحقكم من جهتهم {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضاً فيما هو مشترك بينهم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ {كذلك} موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل {نُفَصّلُ الآيات} نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7